بقلم ثريا حسن زعيتر
سمك صيدا من يشتريه؟!
«قوت لا يموت» مقولة يرددها صيادو صيدا وهم يكسحون لكسب رزقهم ويضيفون عليها عبارة «الداخل إلى البحر مفقود والخارج منه مولود»... وبين لقمة العيش والصيد يروي هؤلاء حكايتهم مع البحر المفتوح على شاطئ مدينتهم ويتداولون في الميناء الخاص بهم مغامراتهم مع البحر ورزقهم مع السمك إلى جانب شؤونه وشجونه...
وفي قعر البحر يشكون النفايات... تلف الشباك... تضرر مراكبهم ومحركاتهم، وعند عودتهم من رحلتهم إلى اليابسة يتذمرون من بعض الأسماك الضارة، ويتحوّل كل ذلك إلى أحاديث عن مشاكلهم اليومية، بينما بعضهم يقوم بإصلاح الشباك، والأخر ينفث السيجارة أو الأركيلة ويرددون «دخّن عليها تنجلي»...
لكن مشاكل الصيادين لم تنجلِ إلى الآن، وهم يعيشون قلّة الرزق مع إنهم في عز موسم الصيد صيفاً وليس مع عواصف البحر شتاءً، يكابدون من أجل تأمين قوت يومهم وهم محرمون من التأمين الصحي والضمان الاجتماعي ومنسيون من المساعدات ومن التعويضات من إي إضرار...
«لواء صيدا والجنوب» حط رحاله في ميناء الصيادين في صيدا وجال بين المراكب والميرة ومقر النقابة...
لا نظام للبحر
{ بين الألم والأمل، ما زال صيادو صيدا يُحافظون على مهنتهم كتراث وتاريخ للمدينة، التي اشتهرت وما زالت، ببحرها وشاطئها وسمكها، ويستعيد رئيس «تعاونية الصيادين» في صيدا معروف بوجي ذكريات الماضي فقال: «كثرت الناس، والمعيشة باتت صعبة، ورزق البحر قليل، وأصبحت أفقر منطقة، ولا أحد ينظر إلى الصيادين لا بمساعدة، ولا بمعونة، ولا تعويض، ورزقهم على الله، وهذه المشكلة كبيرة مثل حياة كل الناس في صيدا ولبنان، يبحثون عن رزقهم ولا يجدونه، إلا «البحري»، فهم تحت رحمة الله، قد يأتيه ليرة وقد يأتيه مئة ليرة، وإذا كان لديه منزلاً مُستأجراً يقع تحت العجز والدين، ولا يوفرها كل شهر».
وتابع: «إن مشكلة النفايات مع الصيادين قديمة منذ العام 1960، وزادت الآن، والسبب جبل النفايات، والآن يقومون بمعالجته، لكن المشكلة أن البحر بات ملوثاً، والنفايات تتساقط في البحر، والأصعب أن بعض النفايات الصلبة لا تتلف في مياه البحر، وهي التي تُشكّل خطراً وتهديداً، فكيس النايلون يبقى 20 عاماً، والقناني كذلك، فالبحر مليء بها، وهي لا تذوب ولا تزول، وتعلق عليها «الطحالب»، فتمزق الشباك وتلحق ضرراً بمراكب الصيادين».
وقال: «إن النفايات الموجودة في البحر لوّثت بعض المناطق، فلم تعد الأسماك تأتي إلى منطقتنا، فقلّ الرزق، إضافة إلى نفايات المستشفيات، فقد كان في السابق هناك مستشفيان، الآن هناك العشرات، والمخاطر زادت، وكذلك مجاري الصرف الصحي التي تتدفق إلى البحر، وهي تقتل الأسماك التي تأتي لتبيض على الشواطئ، وليس في عمقه، فتقتل من البيوض ما نسبة (70-80%) لأن المجاري تبعث السموم».
وأضاف: «منذ العام 1960 وأنا ما زلت أعمل في البحر، الناس كثرت، والصياد كان يضع 400 متر من الشباك، والمركب 6 أمتار، والآن باتت من (8-10) أمتار والشباك توضع ما بين (3-4) آلاف متر والمحركات كبيرة».
وأكد أنه «لا نظام في البحر في الصيف والشتاء، و«التروبيل» غير مضبوط ويقتل السمك الصغير والكبير على 100 متر مربع، وأحضروا لنا سمكة «شونشالة» من إيطاليا، تأتي على ضوء «اللوكس» على مسافة 200 متر مربع، ويجتمع حولها السمك فيبيعون الكبير ويرمون الصغير».
وأشار إلى «أن وزير الزراعة كان يريد وقف الصيد لمدة 3 أشهر - من 15 أيار حتى 15 أيلول ومنع كل شيء، ونبحر بالعشرين متراً على البحر، ولو تم هذا المشروع لعاد السمك مثل الأول، لأن السمك يفقس في نيسان، وسرعان ما يكبر مثل «المليقة»، وجاءتنا سمك «النفيخة» التي تأكل الشباك، ألقتها وزارة الزراعة وهي غالية جداً، أحضروا بذرة من «اليابان» حتى تكبر ونصطادها، فتبيّن أنها سامة مثل الحية والعقرب وتقتل، وقد وقع ضحيتها الكثير، ومات في صور 3 أشخاص وفي عين الحلوة اثنين وفي صيدا واحد، ممنوع نصطادها وبيعها في الميرة» ومن يخالف الأمر يُعاقب».
أفقر من الفقير
{ وما يقوله بوجي يعبّر عن مشاكل الصيادين، إذ وقف الصياد محمود شعبان (74 عاماً) وفي قلبه غصّة وألم، بعدما تضرر مركبه في البحر، وهي الآن مركونة في حوض الميناء، فقال: «لا أملك المال لإصلاحها، فهي مصدر رزقي في البحر، وليس لدينا تأمين صحي أو اجتماعي أو مدخول أخر غير اصطياد السمك لتوفير قوت يومنا أنا وأولادي، ولا أعرف كيف أصلح المركب، الله يعيننا، فنحن شعب أفقر من الفقير، ولا أحد ينظر إلينا، وكأننا منسيون من الدولة والعالم».
وأضاف: «حتى الرزق في البحر أصبح قليل جداً، قياساً عن الأعوام السابقة، والوضع من السيئ إلى الأسوأ... لا ندري لماذا لا يأتي إلينا السمك مثل السابق، وعادة البحر كان يأتينا بها من جميع الدول، ففي الأيام الأخيرة ظهرت أفواج سمك آتية من مصر ثم اختفت، فنحن في موسم «المليقة، الغبص والسردين»، مع إننا في عز الموسم، إلا انه لا يوجد «رزقة» مثل هذا البلد، كأنه توقف فيه كل شيء عنا، حتى البحر الذي كان رزقه لا يتوقف... توقف الآن».
كساد وانتظار
{ وتحت أشعة الشمس الحارقة، جلس بائع السمك حسن شعبان على كرسي إلى جانب بسطة وهو يتصبب عرقاً مُنتظراً زبوناً وافداً ليشتري منه السمك الطازج، قال: «منذ ساعات الصباح لم يأتِ إلينا زبون بالرغم من إننا في عز الموسم، فالإقبال على الشراء ضعيف جداً، الخوف والوضع الأمني يدفع المواطنين إلى عدم التجول، إضافة إلى الضائقة الاقتصادية التي نمر بها، بالرغم أن الأسعار ليست غالية الآن، سمك «الأجاج» 7 آلاف ليرة لبنانية و«السلطان إبراهيم» 6 آلاف ليرة لبنانية، وهي الآن أرخص من اللحمة، لكن للأسف... نأمل أن يستعيد السوق الصيداوي حيويته وحركته من جديد، لأن الوضع السياسي والأمني المستقر يُساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية».
وأضاف: «نحن في صيدا ننتظر ابن الجنوب كي يشتري منا السمك، فكل العابرين من والى الجنوب يتوقفون لشراء احتياجاتهم، وخاصة السمك من بحر صيدا له نكهة خاصة، بالرغم من إننا في موسم الصيد، ومن الطبيعي أن تكون الحركة ناشطة إلا أنها معدومة».
عرض وطلب
{ داخل سوق السمك «الميرة» التي تعج بالبائعين، كلّ ينادي على سمكه الطازج بصوت عالٍ، يتداخل مع صوت سليم نضر، وهو واحد من بائعي الميرة، يعرض السمك على طاولته بأصناف مختلفة: «غبص... لقز... مليقة وسرغوس» بطريقة ملفتة كي يجذب نظر الزبون، قال: «بالرغم من كل الظروف الصعبة التي مرّت بنا إلا أن هناك أملا يحيط بنا لنعيش في كنف الدولة وسط الاستقرار والأمن».
وختم نضر: «إنني أحصل على السمك الطازج من الصيادين يومياً، وأبيعه بأسعار مقبولة، فالسمك الطيب غالٍ، وخاصة «اللقز»، وإذا كان عليه طلب يرتفع سعره، اليوم سعر «البلاميدا» 5 آلاف. والصيادون يكسحون كل يوم ويصطادون أنواعاً مختلفة من الأسماك، وأكثرها الآن «السردين»، فكل 3 كلغ بـ 10 آلاف ليرة لبنانية، ويبقى موسمه حتى تشرين الأول».
صيادو الأسماك في صيدا يتداولون شؤونهم | عرض سمك أجاج في صيدا | |||
معروف بوجي: ذكريات الماضي وأمل الحاضر | محمود شعبان يشير إلى مركبه المتضرر | |||
البائع حسن شعبان يجلس منتظراَ من يشتري | سليم نضر يعرض سمكه للبيع في الميرة | |||
زبائن داخل الميرة |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق