تنتظر مدينة صيدا متحفاً جديداً لآثارها المشتتة، أو غير المكتشفة بعد، سيقام في موقع لا يبعد عن قلعة صيدا البرية إلا بضعة أمتار. وعلى الرغم من أهمية هذا الحدث، الا أنه لا يخلو من بعض المخاوف من جانب السكان، إذ يقول أحد سكان صيدا القديمة، والذي يسكن بجوار المتحف: "لست ضد انشاء المتحف، لكننا قلقون من طريقة الحفر التي تقترب من أساسات بيوتنا". ويقول آخر: "بات المتحف يقتطع جزءاً كبيراً من الطريق العام، ولم يعد هناك امكانية لمرور السيارات بشكل مريح. ونحن نعاني لنجد موقفاً، وبعد إنشائه لن نجد مواقف أبداً".
لا ترى ميريام زيادة، وهي مديرة مكتب الآثار في صيدا، أن هناك سبباً لقلق السكان. "من غير الطبيعي أن نقوم بالحفر من دون تدعيم البناء، فنحن مسؤولون عن عمالنا وخبراء الآثار، وبالتالي تهمنا سلامتهم كما سلامة السكان. وإذا كان هناك بعض الخطر خلال الشتاء، الا أن هذا الخطر كان على الطريق العام، ولكن كل شيء مرّ على ما يرام"، وفقها.
متحف المدينة وقلعتها
"اننا كمديرية نقوم بالشق التقني من المشاريع، حيث أننا في صدد العمل مع مهندسين وخبراء آثار على مشروعين حالياً، هما المتحف وترميم القلعة البرّية"، تقول زيادة. ويشرح سامر أطرق، وهو أحد متخصصي عملية التنقيب وطرش الآثار، عن مبنى المتحف قائلاً: "سيقام هذا المتحف فوق المواقع الأثرية الموجودة في المنطقة مثل البيوت والأفران القديمة وغيرها، بحيث يتاح للزوار رؤية هذه الأماكن من الأعلى عن طريق الشرفات، ثم النزول إليها لرؤيتها عن قرب. وسيتضمن المتحف صالة عرض للقطع الأثرية التي وُجدت في موقع الحفر".
أما الأعمال في القلعة البرية، وفق زيادة، فتنقسم الى شقين أساسيين. "الأول يقوم على تدعيم المبنى، والثاني يتعلق بتجهيز ممرات الزوار والشكل الخارجي للقلعة". لكن دور وزارة الثقافة سيقتصر على استقبال الهبات ودراسة المشروع، ثم تسليمه الى المديرية العامة للآثار، اذ "لا امكانية مالية عند الوزارة تسمح لها بتمويل هذه المشاريع. فالمتحف ممول من الصندوق الكويتي، أما مشروع القلعة البرية فممول من هبة إيطالية". لكن التمويل الخارجي "المخصص لهذه المشاريع غير كاف لتغطية تكاليف عمليات الترميم والحصول على نتيجة مميزة، الا أن قبول هذه الهبات يبقى أفضل من لا شيء"، وفق أطرق.
الصالح الأثري
وتعد هذه المنطقة من المناطق ذات "الصالح الأثري"، أي الغنية بالآثار، مما يعني أن "كل رخص البناء وإعادة البناء واستصلاح الأراضي يجب أن تمر على مديرية الآثار قبل الحصول على الموافقة النهائية من التنظيم المدني. ونحن نقوم بالكشف على الأرض للتأكد من خلوها من الآثار". وفي حال إكتشاف آثار ينتقل فريق من المنقبين الى الموقع حيث "نقوم بأرشفة الطبقات، تحليلها وتقديم التقارير. قد تكون آثاراً منقولة أو غير منقولة، وهنا يصبح لدينا ثلاثة حلول. إما استملاك الأرض أو تحييد الآثار واستكمال البناء، أو نقلها"، وفق أطرق.
وتشير زيادة الى مفهوم خاطئ شائع عند الناس يربط بين وجود آثار في أرض ما واستملاكها من قبل الدولة. اذ ان "استملاك الأرض يكون الطلقة الأخيرة التي قد نضطر إلى اللجوء إليها، الا أننا نعمل جاهدين على حماية الآثار والحفاظ عليها في مكانها بمساعدة صاحب الأرض نفسه، الذي يصبح بمثابة حارس قضائي ومسؤول عن صيانة هذه القطع الأثرية من خلال عقد مبرم مع الوزارة". فاذا كانت الآثار غير منقولة "يتم الابتعاد عنها بضعة أمتار ثم يُشيد البناء، على نحو يضمن إمكانية زيارة هذه الآثار من حين لآخر"، وفق أطرق. لكن في حال تعذّر حمايتها ضمن البناء نفسه "تُستملك الأرض ولكن بعد تثمينها ويعوض مادياً على صاحبها"، تقول زيادة.
دور الدولة
ويتعامل القانون بصرامة مع المعتدين على الآثار، اذ تتراوح العقوبة بين غرامة مالية والسجن، "حيث أن عملية تدمير الآثار تعتبر جريمة"، وفق زيادة، التي ترى أن تدمير بعض المواطنين للآثار يرجع إلى "مفهومهم الخاطئ عن تملك الدولة للأرض. وهذا ما يسبب الذعر لديهم ويدفعهم الى التكتم عن وجود آثار في أراض يمتلكونها". من جهة أخرى قد يكون اهمال الدولة لهذا القطاع لسنوات طويلة قد حفز البعض للاستيلاء على بعض هذه القطع وبيعها.
لكن الوزارة، وفق زيادة، بدأت العمل على هذا الصعيد. وسيكون "اليوم الوطني للتراث" في 21 من الشهر الحالي، أول دليل على زيادة الاهتمام بالآثار. "حيث ستكون المواقع الأثرية مفتوحة من دون مقابل لمن يرغب بالدخول والاستمتاع بالنشاطات التي سنقوم بها خلال هذا اليوم، بالاضافة الى وجود مرشدين سياحيين في مختلف المناطق، حتى لا تبقى الآثار مجرّد حجر جامد بالنسبة لزوارها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق