الصفحات

دوّيخة صيدا


دوّيخة صيدا

قصّة عن الحق في اللّعب
كتابة أحمد فقيه


تعود الصورة إلى عام 1950 والتقطها المصور هاشم مدني. تظهر الصورة اتصال المدينة القديمة بالبحر والميناء اللذان يتوسطهما بحر العيد. كما تعكس الصورة وطادة علاقة الصيداويين بالبحر قبل أن يفصل الأوتوستراد البحري المدينة عن شاطئها مقلصاً مساحة “بحر العيد”.



بحر العيد كان عبارة عن ساحة ترابية كبيرة يحيطها من جهة الشرق خان الإفرنج وحمام المير فخر الدين وبيوت، ومن جهة الجنوب بحر إسكندر والجامع العمري الكبير ومدرسة المقاصد، ومن جهة الشمال جامع البحر وميرة الصيادين القديمة، ومن جهة الغرب البحر والشخاتير. بحر العيد يعني النزهة، لقاء الأهالي، لقاء الأصدقاء، في أعياد الفطر والعيد الكبير والأضحى. وكان بحر العيد مساحة للجميع، كبار وصغار، بنات وصبيان. وكان الأولاد يقصدون بحر العيد لركوب المراجيح صباحاً وبعد الظهر للكبار. فيتحدى الكبار صباحا بعضهم البعض بقوة دفع المرجوحة.


خريطة جويّة توضّح موقع بحر العيد على الشّاطئ الصيداوي

تقسيم المساحة في بحر العيد كان من خلال اتفاقيات بين الأهالي وأصحاب المراجيح اللذين يأتون بالأخشاب الخاصة بهم التي خزنوها من سنة الى سنة في غرفة لعائلة الترياقي وينصبونها في الساحة. كانت المراجيح عبارة عن صناديق من الخشب أو حسكة أو سرير. وكانت الناس تأتي من جميع المناطق: بيروت والجنوب وسوريا. في الأيام الأخرى – أي عندما لا يكون هناك عيد – تبقى المساحة للبحرية والصيادين، يستخدمونها لخياطة الشباك البحرية.


الأشخاص في الصّورة هم، وفقاً للمصوّر هاشم المدني، من اليسار إلى اليمين: أبو قبّوعة، عساف،، درزي، وصديق لهم

كان أكثر أصحاب المراجيح من “البحرية”، أي صيادين أو عاملين في المرفأ، مثال عائلة الترياقي ونضر والقرص وشعبان. ومع مرور السنين تبعهم أولادهم وكثر عدد المراجيح من أربعة وخمسة حتى العشرين مرجوحة. كانت المراجيح والشقليبات عبارة عن صناديق من الخشب يجلس في كل صندوق أربعة أشخاص.


تعود الصّورة إلى عام 1958، أما الأشخاص في الصورة من اليمين إلى اليسار هم: صبّاغ مع أصدقاء أخرين وإلى اليسار دافع الأرجوحة

وكان يوجد صندوق الفرجة على بحر العيد وعادة كان يأتي شخص كل عيد، ويضع صندوق له ثلاث عيون ومقعد ويجلس ينادي: “تعوا تعوا يا شباب ويا بنات”. ويأتي كل ثلاث أشخاص ويحضروا العرض وعند انتهاء العرض ينقر على الصندوق للدلالة على انتهاء العرض ولإتاحة الفرصه لثلاث أشخاص آخرين للتمتع بالعرض.


تعود الصورة إلى عام 1950، أما الأشخاص الموجودين فيها فهم من اليسار إلى اليمين: أسمر سعديّة، عفارة وصديق لهم

كان الباعة يبيعون على بحر العيد السكر المعقود او ما يسمى بالغزلة. كان البائع يقف وهو يحمل ما لا يقل عن أربعين كيس من الغزلة معلقين كل على عصا خاصة به. وكان بعض الباعة يبيع المكبوس على عربة. كان البائع يحتفظ بالمكبوس بوعاء زجاجي كبير ثم يفرغ من الوعاء الكبير بوعاء صغير ويضع لكل زبون ثلاث أو أربع قطع. وكان البعض يبيع حلوى تدعى معلل وهي عبارة عن تفاح مغطى بالسكر الملون باللون الزهري.


عبد الرحمن الترياقي متوسطاً أصدقاءه على بحر العيد عام 1950

في العام 1954 اشترى شخص يدعى عبد الرحمن الترياقي لعبة تدعى الدويخه تعمل بالكهرباء. وهي عباره عن عامود مربوط به مجموعة من الحبال التي تنتهي بمقعد. يجلس الأولاد على المقاعد وتدور بهم لمدة محددة مقابل مبلغ قليل من المال. في السابق كانت هذه اللعبة يدوية. وكان هناك أيضا ما يدعى بالساحر الذي يقوم بألعاب يشترك بها الشباب بما يشبه القمار.


الدويخة: عام 1958

كان هناك أشخاص، يسمّون بالحمرجية، من عائلة عفاره وآخرين من عائلة الصياد يملكون حمير وآخر من عائلة حيدر من صيدا القديمة يملك حصاناً. كان هؤلاء الأشخاص يستغلون موسم العيد ليركّبوا لأولاد على ظهر الحمير أو الأحصنة من بحر العيد الى بحر القملة ذهاباً وإياباً.

كان يوجد شخص من بيت القرص لديه لعبه تدعى الشقليبة وهي عبارة عن صناديق من الخشب مربوطة بالحبال بشكل عامودي. يركبها الأطفال ويغني لهم عندما تبدأ بالدوران قائلاً: “ياولاد الكوشة يويا…عنا جاروشة يويا… جاروشة مين يويا… عمو إسماعين يويا…خلّف ما مات يويا… بنهار العيد يويا…ويلا ويلا هااااا”.

على مدخل صيدا القديمة من الجهة الجنوبية كان هناك بناء لعائلة الترياقي وكان فيه صالة كبيرة يضع بها الصيادون شباك الصيد خلال العام، ولكنهم كانوا يفرغوها من الشباك يوم العيد ليضعوا بها مراجيح خاصة بالنساء المنقبات اللواتي لا يكشفن عن وجوههن.

خلال الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 هدم بالقصف ما يقرب من 500 منزل والمراجيح القديمة من الجهة الجنوبية لبحر العيد. وكما وصفت المحلات المجاورة، الحلاق عزو نسب وعيطور الفوال وأبو درويش بائع القطايف. وفي العام 1984، استكملت شركة “أوجيه لبنان” بهدم ما تبقى من بيوت، حتى تلك التي كان من الممكن ترميمها. يقول أحد أهالي صيدا:

“استغلوا الإجتياح عشان يتوسع وينعمل الشارع وكل البيوت إنقصفت، في واحد بذكر طلع بهيدي المنطقة وصار يضرب على الطيران اليهودي وبلشوا يقصفو المكان وحوالي 100 بيت راحوا بالقصف بليلة واحدة.”


المصدر: موقع منتدى صيدا للحوار

وكان الأثر السلبي الأكبر للأوتستراد البحري على منطقة بحر العيد والبلد القديم. فبسببه تحول بحر العيد من مساحة شاسعة تربط المدينة القديمة بالميناء والبحر إلى بقايا مساحات هامشية يطغى عليها الطريق والسيارات والضجيج.


من اليسار إلى اليمين: نبيل الشامي، محمد العقاد، ودافع الأرجوحة من عائلة كيّللو

التقطت هذه الصّور بعدسة المصوّر هاشم المدني الذي أرفقها بالمعلومات الموجودة أعلاه. ونشرت هذه الصّور في كتاب تحت عنوان “نزهات” الذي أنتجه أكرم الزّعتري وأصدرته “المؤسسة العربية للصورة”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق