الصفحات

صيدا


صيدا (أو صيدون) هي مركز إداري وتجاري حيوي. شعارها قلعة صليبية تشرف على مينائها. لا تزال المدينة القديمة بأزقتها وأسواقها تحتفظ بمظاهر العصور الوسطى. تاريخها القديم غامض، ليس فقط بسبب شَحّ الحفريات الأثرية وحسب، بل بسبب سرقات وعمليات نهب طالت آثارها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وفي المتاحف العالمية قطع كثيرة من صيدون معروضة مع مجموعات أثرية أخرى.


كيفية الوصول الى صيدا
من خلال سلوك الطريق السريع بين بيروت وصيدا (48 كلم). على مدخلها الشمالي ملعب رياضي يمكن الانعطاف منه الى قلب المدينة.
تاريخها
تقع مدينة صيدا القديمة على رأسٍ برّي قبالة جزيرة كانت متصلة بالبر،فيها مرفأ جنوبي (المرفأ المصري)، ومرفأ شمالي (لا يزال مستعملاً حتى اليوم). تعود الآثار في المدينة إلى العصر الحجري والنحاسي ومن ثمّ الى العصر الكنعاني (الألف الرابع قبل الميلاد)، وجدت في موقع قلعة المعز (قصر الأرض أو قصر القديس لويس) وفي بلدة داكرمان (على بعد كلم واحد جنوبي المدينة). بدأ اسم صيدا يظهر منذ القرن الرابع عشر قبل المسيح في نصوص رسائل تل العمارنة. بعد قرون باتت تدفع الضرائب إلى الأشوريين، فنشطت تجارتها مع مصر ومع جزر بحر إيجة. كانت صيدا الأغنى بين المدن الفينيقية من حيث الثروات وازدهار التّجارة فيها والموقع الأبرز، ممّا جعل الإغريق يطلقون إسم الصّيدونيين على كلّ الفنينيقيين. وازدهر دورها بشكل خاصّ في الحقبة الفارسية (550 – 332 ق. م.) حين كانت تؤمّن لللأمبراطورية الفارسية المراكب والبحّارة الّذين كانت تحتاج إليهم في صراعها ضد اليونان والمصريين لبسط سيطرتها على شرق المتوسط.
وقدّم الفرس للمدينة عمارات وحديقة ملكية، وكان ملوك صيدا قد باشروا بناء معبدٍ كبير للإله أشمون، إله المدينة، على بعد 3 كلم شمالي شرقي المدينة في القرن الثامن ق.م.
وعلى غرار صور (جارتها الجنوبية) ازدهرت صناعة الزجاج في صيدا وحظيت بشهرة واسعة في استخراج صباغ الأرجوان من الأصداف المنتشرة على شواطئها. ولا تزال حتى اليوم هضبة صغيرة مكونة من صدف الموركس، على امتداد التل، حيث قصر التراب إلى جنوبي المدينة، تشهد على أهمية تلك الصناعة الفاخرة التي أعطت المجد للصيدونيين.
لكن الإزدهار جلب لها المتاعب. فسنة 351 ق.م. ثارت صيدا وحاصرها الفرس فأحرقها سكانُها بِهم جميعاً ومات 40000 من سكانها. خرجت المدينة هزيلة من هذه التجربة. وسنة 332 ق.م. فتحت أبوابها للإسكندر الكبير من دون مقاومة.
في الحقبتين الهللينستية والرومانية، تمتعت صيدون (المدينة المقدسة عند الفينيقيين) بالحريّة، وصكّت نقودها قبل أن تصبح حاضرة رومانية في أوائل القرن الثالث بعد الميلاد.
ازدهرت صيدا كثيراً بِمعالم هامة لم يبقَ منها اليوم سوى آثار. ضربها في العام 551 م، كغيرها من المدن الساحلية اللبنانية، زلزال قوي لم يدمّرها فانتقلت إليها مدرسة الحقوق من بيروت.
بعد الفتح الإسلامي (عام 636م) بقيت مدينةً صغيرة مزدهرة، وفي العهد الصليبي (بين 1110 و1291م) برزت باهرةً وأصبحت مقرّ بارونية للإمارة الفرنجية في القدس.
إحتلها المماليك فالعثمانيون في أوائل القرن السادس عشر، واستعادت رونقها وأهميتها في القرن السابع عشر مع الأمير فخر الدين الثاني (1572 – 1635) فجعلها عاصمته التجارية عام 1594. رمّمت أسوار المدينة، وبنيت فيها الحمامات والخانات، واستعادت نشاطها التجاري، وأصبحت أهم مركز للتبادل التجاري بين أوروبا وبرّ الشام.
التنقيبات
كان القرن التاسع عشر حقبة الاكتشافات الكبرى في صيدا. سنة 1855 اكتُشِف في مغارة أبولون، جنوب شرقي المدينة، ناووس الملك أشمونازار (الموجود اليوم لدى متحف اللوفر في باريس). بين عامي 1860 و1861 نقّب فيها ارنست رينان، وسنة 1887 نقّب فيها مدير المتحف الملكي في اسطنبول، حمدي بك، واكتشف مدينة الأموات الملكية وناووس الملك تابنيت، وأربعة نواويس رخامية (اليوم في متحف اسطنبول). بين 1900 و1904، ظهرت معالم معبد أشمون والكتابات الفينيقية، وبين 1914 و1939 نقّب فيها فرنسيون (بينهم جورج كونتونو وموريس دونان)، وغداة الإستقلال، باشرت المديرية العامة للآثار مهمّة البحث عن تاريخ صيدا.
زيارة في مدينة صيدا
تبدأ زيارة المدينة القديمة من قصر البحر، وهو قلعة بناها الصليبيون في القرن الثالث عشر على جزيرة يصلها بالبر جسر ضيق طوله 80 م. لم يبقَ اليوم من بناء القلعة الأساسي سوى الركيزة الشمالية القريبة من القلعة. الركيزتان الباقيتان هدمتهما عام 1936 عاصفة وأعيد بناؤهما مع قسم من الجسر في جزئه القريب من اليابسة، واستخدم المرمّمون حجارة أبنية في المدينة من العصر الروماني، منها أعمدة رومانية تبدو من أسوار القصر الذي بني على مراحل بين 1227 و1291، تاريخ إنتقاله من المماليك إلى الأيوبيين. وتبدو اليوم ترميمات الحقبة المملوكية، وخصوصاً البرج الغربي. والجامع الصغير الملاصقُ الكنيسة الصليبية يعود إلى عهد العثمانيين، قبل عام 1840 تاريخ قصف البحرية البريطانية القلعة.
تفتح القلعة أبوابها أيام الأسبوع من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءً. ( التاسعة إلى الرابعة بعد الظهر في الشتاء). الدخول لقاء رسم.
بين القلعة البحرية والقلعة البرية (قلعة "القديس لويس") أسواق قديمة تحافظ على جمال عمارتها ودورها التجاري، تبدو قربَها مظاهر الترميم ومحال صغيرة وحرفية وتجمل زيارة أزقة مقببة تمتد نحو 14 كيلومتراً.
على مدخل سوق الشاكرية: قصر دبانة، حيث درجٌ ضيّق مسقوف يوصل إلى الباحة الداخلية لهذه العمارة القديمة التي بناها سنة 1721 آل حمّود واشتراها آل دبانة وصاصي سنة 1800. صنّفتْها المديرية العامة للآثار بناءً أثرياً منذ 1968. احتفظ البناء بسمات العمارة العربية العثمانية : قاعة استقبال، إيوان، غرفة رئيسية، نبع ماء وغرف تسمى "الديوان". والتأثير المملوكي ظاهر في تزيين البناء: عتبات عليا ونوافذ مزدانة بتصاميم النجوم والأزهار، سقوف تزيّنها أغصان أرز محفورة وملوّنة، نوافذ مع مشربيات خشبية، قناديل من الحديد المطرّق. ويظهر التأثير الغربي في الطوابق العليا المضافة في مطلع القرن العشرين. في الطابق الثالث غرفة مشرّعة على الهواء الطلق تسمى الطيارة وتشرف على المدينة.
يفتح القصر أبوابه أيام الأسبوع، عدا الجمعة، من التاسعة صباحاً إلى السادسة بعد الظهر 720110/07 الدخول مجاني www.museumsaida.org
الى اليمين من قصر دبانة، كاتدرائية القديس نقولا (من القرن الثامن). بناؤها الحالي يعود إلى العام 1690. في العام 1819 قسم الكنيسةَ جدارٌ الى قسمين، وأقفل القسم العائد إلى الكاثوليك. عند مدخل المطرانية قاعة أقام فيها القديس بولس، أو بحسب التقليد، القديسان بولس وبطرس عندما اجتمعا.
في الطريق نحو شارع المطران أو سوق الشاكرية جنوباً: دار آل عوده ومتحف الصابون. وهو بناء ذو ثلاثة فنون معمارية: مصنع الصابون بقباب حجرية ظل يعمل حتى 1980، منزل العائلة فوق مصنع الصابون (أوائل القرن العشرين). والقسم الأكبر من البناء يعود إلى القرن الثالث عشر. في العام 1998 قرّرت مؤسسة عودة تحويل مصنع الصابون إلى متحف حديث يمثل مختلف مراحل صناعة الصابون التقليدي باستخدام زيت الزيتون.
يفتح أيام الأسبوع، عدا الجمعة، من التاسعة صباحاً إلى السادسة مساءً هاتف 733353/07، 753599/07. الدخول مجاني، www.fondationaudi.org
إلى اليمين من قصر البحر: خان الإفرنج أو خان القوافل، إحدى مؤسسات فندقية بناها فخر الدين الثاني في أوائل القرن السابع عشر. القاعات في الطابق الأول لتخزين البضائع وكإسطبلات، وفي الطابق الثاني غرف لإيواء التجار. هذا الخان، بساحته الداخلية المستطيلة، وحوض الماء فيها وأروقتها وقناطرها، كان المركز الرئيسي لتجارة صيدا حتى القرن التاسع عشر. سكنه تباعاً قنصل فرنسا في صيدا، والآباء الفرنسيسكان، ثم تحوّل ميتم فتيات بإدارة راهبات القديس يوسف للظهور، وهو اليوم مرمم وصار صالات للعرض.
خلف سوق الفرنج، قرب السراي، مسجد باب السراي، أحد أقدم المساجد في المدينة. بناه أيام الصليبيين، في العام 1201، الشيخ أبو اليمن، وكان قاعة للصلاة مقببة قائمة على قناطر قواعدها ضخمة، ترتفع مئذنته 20 متراً.
مقابل ساحة باب السراي، مسجد النخلة، وهو زاوية قديمة للصوفية، تحوّلت إلى مسجد، مئذنته غير مرتفعة على طراز الفن المغربي.
نحو الجنوب مسجد الكيخيا، نموذج عمارة إسلامية في الحقبة العثمانية. بناه في العام 1625 محمود الكَتَخْدَا، يتميز بقبابه الست، و"مقرصناته" التزيينية، محرابه رخام أبيض وأزرق، وأعمدته الأربعة مزينة برسوم هندسية. في وسط القاعة سبيل ماء، وحوْلُها غرف دراويش استخدمت سكناً لدارسي القرآن.
قبالة مسجد الكيخيا حمام الشيخ، بناه في القرن السابع عشر، الرحالة عبد الغني النابلسي، له طابعه الخاص بأحواض الإغتسال وبلاط أحمر يكسو أرضيته.
على شاطئ البحر، جنوبي غربي الأسواق، المسجد الكبير، بناء ضخم مستطيل مبني على دعائم كبيرة، كان مستشفى في القرن الثالث عشر على اسم القديس يوحنا، ويجمع اليوم في بنائه طراز العصور الوسطى. رُمِّمَ سنة 1820 بعدما هدمته العاصفة جزئياً. القسم الشمالي، حيث سبيل الماء المخصص للوضوء، يظهر استعمال مواد بناء أثرية. هدّمته عوامل الزمن وأعيد ترميمه في 1983 و1986 و1989 ونال جائزة آغا خان للفن المعماري.
إلى جانب المسجد الكبير حمام الورد، بنته عائلة حمود عام 1730 على طراز مزج الشرقي والإيطالي، وهو مزين بطريقة دقيقة.
جنوبيّ الأسواق كنيسة مار الياس، إحدى أقدم الكنائس في صيدا، كانت مصنع صابون تحوّل عام 1616 إلى كنيسة.
في أقصى جنوب المدينة " قصر القديس لويس" يُرجَّحُ أن يكون بناه الملك الفرنسي لويس التاسع خلال الحملة الصليبية السابعة (1248- 1254) وجعله مقر إقامته. هو على تل صيدا القديم ويشرف على المدينة، وبني على أنقاض قلعة فاطمية بناها المعزّ في القرن العاشر، ولا يزال القصر يحمل إسم قلعة المعزّ. القلعة أو القصر هي اليوم أنقاض تحمل بعض السمات الإفرنجية، أدخل عليها الأمير فخر الدين الثاني إصلاحات في القرن السابع عشر. تصميم الداخل نصف دائري حيث البرج وتحته بقايا أعمدة رومانية.
إلى جنوب هذا القصر هضبة الموركس، إصطناعية بطول نحو 100 متر وارتفاع 50، نشأت من بقايا أصداف موركس استخدمت في أيام الفينيقيين لاستخراج الصباغ الأرجواني. في أعلى الهضبة قطع فسيفساء تدل على أبنية من العهد الروماني. إجتاحت الهضبة اليوم أبنية حديثة، وأقيمت فيها مدافن.
المدافن القديمة (مدينة الأموات) الأساسية في صيدا خارج حدود المدينة القديمة. ظلّت تستخدم حتى الحقبات الرومانية المتأخرة. أهم ثلاثة مواقع فيها: مدافن مغارة أبولون (حيث وجد ناووس الملك أشمون عازار الثاني من النصف الأول للقرن الخامس قبل الميلاد، وحالياً في متحف اللوفر)، مدافن القيّاعة (فوق بلدة الهلالية وفيها نواويس الإسكندر والليقي والمرزوبان والنائحات، وجميعها اليوم في متحف اسطنبول)، والثالث موقع عين الحلوة إلى الجنوب الشرقي من صيدا (وفيه المجموعة الثمينة من نواويس على شكل الإنسان، وهي اليوم في المتحف الوطني اللبناني).
إلى الجنوب من صيدا، مدينة ومقبرة الدكرمان، فيها نواويس وأدوات ثمينة وكتابات ومنحوتات قديمة ومنشآت من عصر المعادن (الألف الرابع قبل الميلاد) مع أكواخ بيضاوية من الطين الممزوج بالقش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق