الصفحات

قصر دبانة في صيدا

قصر دبّانة»
 معلم يشهد على «موزاييك صيدا» وفن العمارة فيه 
 بقلم سامر زعيتر



عودة إلى التاريخ من جديد، وإلى القرون التي خَلَتْ، وتحديداً القرن الثامن عشر، يوم كانت صيدا تشرّع أبوابها داخل المدينة القديمة، وعلى مدخلها يزهو قصر فريد...
إنه «قصر دبّانة» الذي لعب دوراً هاماً في تاريخ مدينة صيدا منذ العهد العثماني، ولا يزال حتى اليوم يقوم بهذا الدور، ليستقبل السائحين وأبناء المدينة، ويحفظ عراقة تاريخ لبنان المنصهر مع حضارات متعاقبة...
تاريخ يُعيد إلى صيدا تداول الملكية وانتقالها، ولكن في الوقت نفسه الحفاظ على معالم المدينة الأثرية التي نفضت الغبار عنها، كي تبقى عاصمة الجنوب نموذجاً في الانصهار الوطني والتلاقي رغم الاختلاف في المشارب الفكرية والدينية والسياسية...
تميّز في طابع العمارة التقليدية والتراثية، التي تُغني حضارة مدينة صيدا وتجعل كل معلم فيها يتميّز عن الآخر، ليشكّل محطة للوقوف عندها...
«لـواء صيدا والجنوب» يسلط الضوء على هذا المعلم التاريخي، حيث كانت هذه الانطباعات...


بين آل حمود ودبانة
عند مدخل الشاكرية في صيدا وبالتلاقي مع شارع الأوقاف، لا يزال «قصر دبانة» يحافظ على بنيته الأصلية، ليعطي صورة واضحة عن فن العمارة في لبنان، جامعاً بين التراث العربي والعثماني، وربما يكون بذلك القصر الوحيد المتبقي في لبنان الذي يتميّز بهندسة عثمانية على هذا الطراز.
تم تشييد القصر عام 1721 في مدينة صيدا على يد علي آغا حمّود، إلى أن انتقلت ملكيته إلى عائلة دبَّانة قرابة عام 1800، فعرف بعد ذلك باسم قصر دبانة، وكذلك قصر صاصي، والجدير ذكره أن الساحة التي يملكها آل دبانة في النبطية كانت من أملاك آل حمود.
وما تبقّى لآل حمود من أملاك أطلقوا عليها اسم وقف، كي لا ينتزع منهم حتى يعيشوا من ريعه، وأقاموا على هذه الأوقاف رجلاً منهم، وكان آخر هؤلاء الحاج محمود حمود «أبو كمال» الذي توفي عام 1982.
وقد بلغت عائدات هذه الأوقاف ما يزيد على 146855 قرشاً عملة تركية وفق ما جاء في القرار التمييزي المعطي على ظهر الاعلام الشرعي المؤرّخ في 24 شعبان 1349هـ والموافق له 13 كانون الثاني 1931، ضمن رقم الدعوى وقف بني حمود.
ولدى الإطلاع على الإعلان الصادر عن محكمة صيدا الشرعية بتاريخ 24 شعبان 1349هـ. الموافق له 13 كانون الثاني 1931 فقد قررت المحكمة أن يدفع المسؤولان على وقف آل حمود، وهما أحمد محمد حمود ومصطفى عبد الوهاب حمود، مبلغ 146855 قرشاً عملة تركية للمستحقين للوقف بعد أن خفّضت لهما المحكمة 8600 قرش. وجاء في القرار أن قيمة هذا المبلغ تدفع إما بالليرة السورية أو العملة الذهبية، ويدل ضخامة هذا المبلغ على كثرة أملاك آل حمود.
دار عربية بطابع عثماني
الداخل إلى السوق التجاري، تجد عند مدخل الشاكرية يافطة تشير إلى تاريخ القصر، وهو القرن الثامن عشر، يوم اشترى جوزيف دبانة القصر للعائلة التي سكنت فيه حتى العام 1978، ليصنف أثرياً عام 1968.
وبعد فترة من مكوث لاجئين في القصر، تأسس «وقف دبانة» الذي باشر عام 2000 سلسلة أعمال هدفت إلى حماية البناء من عوامل الطبيعة بغية فتحه أمام الزوار. وتزامن افتتاحه عام 2001 وترميمه لتحويله إلى متحف مع انضمام «وقف دبانة» إلى مجلس المتاحف الدولي والمجلس الدولي للمنازل التي تحوّلت إلى متاحف.
ويجمع القصر في بنائه عناصر الدار العربية العثمانية المتمثلة ببهو مركزي يسمح بالولوج إلى الغرف الأخرى المحيطة به. وهذا البهو يجسّد فنّ العمارة الذي تميّزت به المدرسة الدمشقية بعدما تطوّرت بفعل التقاليد المملوكية بلمسة من الفنّ العثماني. وفي العام 1920 اتّخذ المبنى شكله الحالي بواجهته الزجاجية التي تنير البهو المركزي المنخفض وسقف القرميد الأحمر.
التحوّل إلى متحف
وقد صنّف في العقد السادس من القرن الماضي «كبناء أثري» وذلك بفضل مساعي الأمير موريس شهاب الذي اقترح على وزير الثقافة ترميم المنزل وتحويله إلى متحف.
وبعد الأضرار التي لحقت بالقصر خلال الحرب اللبنانية، استعاد روفائيل دبانة المبنى وتأسس من أجله «وقف دبانة» لترميم البناء واستخدامه كمتحف، ليصبح معلماً فريداً من نوعه في لبنان، يستعيد معها إحياء الحقبة العثمانية، حيث يستعيد القصر دوره التاريخي كمكان لاستقبال الزوّار والتعرّف على هذا المتحف القائم بذاته، الفريد في هندسته الأثرية والتناسق فيما بين غرفه وأروقته، لتعود بك الذكريات إلى صيدا يوم كانت تزهو ببحرها وبساتينها.
ولتمكين الزوار من التعرّف على هذه الحقبة، تم جمع عدد من النصوص والمخطوطات والوثائق والأدوات التي وضعت بشكل علمي دقيق وبتدّرج يحترم تاريخ المنزل والموقع.
أما الطوابق الثلاثة من الصالة الوسطى إلى العتبة، وصولاً إلى المقرنص وسقف الخشب المنحوت والمرسوم من الأرز، يكتمل المشهد بالفوانيس والثريات والقطع النحاسية مع الجلوس على «الدشكات» في العتبة، ومن ثم الصعود إلى الطابق الأعلى حيث قفص العصافير الأثري الضخم الذي يمكن مشاهدته عبر الزجاج الملوّن وصولاً إلى السطح، وهناك يمكن للزائر رؤية مدينة صيدا وقلعتها البرية والبحرية. مشهد يعطي «عاصمة الجنوب» دورها ويستعيد معها الحضارات المتعاقبة في صيدا القديمة – البلد، التي تشكّل متحفاً قائماً بحد ذاته، هو الأكبر في الشرق الأوسط.





يافطة تشير إلى تاريخ امتلاك القصر من قبل آل دبانةجمالية الأروقة تزيد من سحر المكان
النوافير تعطي للمكان مزيداً من الجمالالحفاظ على المقاعد التراثية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق