الفترة الثانية من الاحتلال الصليبي لصيدا
(626 – 691 ه / 1228 – 1291 م)
في الوقت الذي كانت الخلافات الداخلية بين أمراء البيت الأيوبي تمزق وحدة الصف الإسلامي خلال سني الهدنة، كان المعسكر الصليبي يمر هو الآخر بظروف مشابهة، فقد كان كل من القائدين جان دي إبلين صاحب بيروت وريتشارد فلانجيري ممثل فردريك الثاني ينافس الآخر في المطالبة بعرش مملكة بيت المقدس، وتمكن ريتشارد بعد استيلاء جان دي إبلين على قبرص من النزول ببيروت والاستيلاء عليها، وزحف إلى صيدا وصور وعكا فاحتلها. ثم دخل باليان بن أرناط صاحب صيدا طرفاً في هذا النزاع مؤيداً جان دي إبلين الذي قدم من قبرص بجيشه إلى الشام، ونزل جنوبي طرابلس في أواخر فبراير سنة 1231 م استرجع بيروت وصيدا (سعيد عاشور، ج2 ص1019).
أما الصراع بين المسلمين فكان أعمق وأكثر خطورة، فقد توفي الملك الأشرف موسى بن العادل صاحب دمشق (كان الأشرف موسى قد استولى على دمشق في سنة 626 ه / 1225 م ، راجع البداية والنهاية، ج13 ص148) في 4 من المحرم 635 ه / 1237 م وتولى بعده الملك الصالح إسماعيل أمير بعلبك وبصرى الذي لم يلبث أن عزله الكامل محمد سلطان مصر واستولى على دمشق في آخر جمادى الأول 635 ه / 29 ديسمبر سنة 1238. ثم توفي السلطان الملك الكامل في 22 من رجب 635 / 9 مارس سنة 1238 وخلفه ولده العادل الصغير المعروف بالعادل الثاني على مصر ودمشق، ولم تتم توليته السلطنة، برضاء أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي لم يلبث أن تخلص من أخيه، وجعل نفسه سلطاناً على مصر ودمشق. وفي هذه الأثناء تمكن الملك الصالح إسماعيل من العودة إلى دمشق، وأعلن سيادته عليها في سنة 638 ه / 1240 م، ولما أحس بأنه غير قادر بما فيه الكفاية على الدفاع عن دمشق ضد الصالح أيوب فقد تحالف مع الصليبيين بعد أن وعدهم في مقابل مساعدتهم له بالتخلي لهم عن بعض المواقع الهامة التي كانت في سلطانه مثل قلعة شقيف أرنون (ابن كثير، البداية والنهاية، ج13 ص155)، وقلعة صفد ومناصفة صيدا وطبرية وأعمالها وجبل عاملة وساتر بلاد الساحل ( المقريزي، السلوك، ج1 قسم2 ص303- C. Cahen, La Syrie du Nord, p. 648 – Deschamps, p.17 – وذكر ابن تغري بردى أن الصالح سلم الشقيف لصاحب صيداء الإفرنجي "النجوم ج6 ص338" وذلك في سنة 638 ه، ومعنى ذلك أن صيدا كان يتولاها صاحبها باليان الصيداوي، ويتعارض ذلك مع ما ذكرناه في المتن). وفي سنة 639 ه / 1241 م أقر السلطان الصالح التنازلات التي قام بها الصالح إسماعيل وعقد مع الإفرنج صلحاً أقر لهم فيه حقهم في امتلاك بيروت وصيدا والشقيف والجليل وطبرية وبيت لحم وناصرة وعسقلان. وفي سنة 1244 م/ 642 ه استعان الصالح نجم الدين بالخوارزمية، فساعدوه وتمكن بفضلهم من الاستيلاء على بيت المقدس، كما ساعدوه على استرجاع نفوذه على فلسطين ودمشق بعد أن هزموا الإفرنج وقوات الصالح إسماعيل عند غزة في سنة 642 ه / أكتوبر سنة 1244 (ابن كثير، ج13 ص164 وما يليها). وأدى سقوط القدس وهزيمة الإفرنج إلى توجيه الدعوة إلى إرسال حملة صليبية جديدة، وهي الحملة التي استجاب لها لويس التاسع ملك فرنسا، ووجهها إلى مصر حيث نزل في 646 ه على بر دمياط.
ويشير ابن شداد في الأعلاق الخطيرة إلى أن صيدا كانت في يد الملك المغيث يوسف حتى سنة 630 ه، ويذكر ابن الفرات في تاريخه اسم أحد ولاته في هذه الفترة وهو علي بن دبيس بن يوسف الحميدي ت676 ه (ابن الفرات، تاريخ ابن الفرات، تحقيق الدكتور قسطنطين زريق، مجلد 7 بيروت 1942 ص107)، ثم آلت صيدا بعد المغيث إلى الأشرف موسى بن العادل، وظلت تابعة له حتى وفاته، ثم قدمها الصالح إسماعيل للإفرنج فعمروها وحصنوها (الأعلاق الخطيرة، ص100). ونستنتج مما ذكره ابن شداد في الأعلاق الخطيرة أن الاتفاقية التي أبرمها الكامل محمد وفردريك الثاني لم تطبق بالنسبة لصيدا، وأن صيدا ظلت تابعة للمسلمين في الوقت الذي كان يحكمها حاكم صليبي هو باليان بن أرناط، ثم أصبحت بمقتضى اتفاقية الصالح إسماعيل مناصفة بين الصليبيين والمسلمين، وبذلك نكون قد وفقنا بين النصوص العربية المتضاربة فيما يختص بمصير صيدا في تلك الفترة التاريخية.
ثم انتزع المسلمون صيدا من الإفرنج في سنة 647 ه / 1250 م، فالمقريزي يذكر أن أهل دمشق عندما بلغهم نبأ استيلاء لويس التاسع على دمياط، استولوا على صيدا من الإفرنج بعد حصار وقتال، وتم ذلك في 25 ربيع الآخر سنة 647 ه / 1250 م (المقريزي، السلوك، ج1 قسم2 ص337)، وتولاها من قبل الملك الناصر صلاح الدين صاحب حلب ودمشق سعد الدين بن نزار الذي نجح في الاستيلاء على شقيف تيرون عنوة من الإفرنج (الأعلاق الخطيرة، قسم 2 ص159- Stevenson, p. 328)، ولكن سيطرة المسلمين على صيدا لم تلبث أن تفككت، فإن ابن شداد يذكر في موضع آخر أن الناصر صلاح الدين صاحب حلب أخذها من الصليبيين عنوة في سنة 651 ه / 1253م ثم صالحهم على أن تكون مناصفة (نفس المصدر، ص100). والحقيقة أن هذه الفترة تعتبر من أكثر فترات تاريخ صيدا الإسلامية اضطراباً، ويبدو أنه تعاقب على حكم صيدا حكام مسلمون وصليبيون، لسهولة الاستيلاء عليها بسبب تهدم أسوارها، ولم يتم استقرارها في أيدي الصليبيين إلا بعد أن أسس لويس التاسع قلعة البر والأسوار على النحو الذي نشير إليه فيما يلي.
إنتهت حملة لويس التاسع على دمياط بالفشل، ووقع الملك الفرنسي أسيراً، ولما افتدى نفسه رحل إلى عكا في 7 مايو سنة 1250 / صفر 648 ه، وقضى في سواحل الشام الجنوبية ما يقرب من أربع سنوات، ينتظر وصول الإمدادات، وفي فترة الانتظار قام بتحصين عكا وصيدا وقيسارية ويافا وكيفا، ففي يونيو سنة 1253 كان يتولى صيدا وقتئذ جوليان الصيداوي بن باليان، فعهد لويس التاسع إلى سيمون دي مونتسيليار ببناء القلعة البرية وسور المدينة وإنهاض صيدا من خرابها، ولم يكد سيمون يبدأ في أعمال البناء حتى تعرضت صيدا لهجوم خاطف شنه المسلمون، ففر سيمون دي مونتسيليار وجماعة قليلة من النصارى إلى قلعة البحر وتحصنوا فيها، ولكنها كانت من الصغر بحيث لم تستطع أن تضم جميع سكان المدينة، ولذلك سقط قائد الحامية الصليبية ونحو ألفين منهم صرعى بسيوف المسلمين، وحمل المسلمون غنائم هائلة وعادوا بها إلى دمشق (الدبس، ج6 ص274 – حسن حبشي، الشرق العربي بين شقي الرحى، القاهرة، 1949 ص128Deschamps, p.165,266-Lammens,t.I,p.230-Grousset,t.III,p.505,507 - Wolfgan Muller, p.26 ). وتفصيل الواقعة حسبما رواه جوانفيل أنه عندما علمت جموع المسلمين المرابطة أمام عكا بأن الملك الموجود في يافا ويعمل على تحصين أحد أرباضها يهدف أيضاً إلى تحصين مدينة صيدا حيث توجد قوة عسكرية ضعيفة، ساروا لقصدها – أي لقصد صيدا – فلما سمع لورد سيمون دي مونتسيليار رئيس رماة الملك وكبير رجاله في صيدا ذلك، ارتد إلى قلعة صيدا الشديدة المناعة، والمحاطة بالبحر من جميع نواحيها، وكان ارتداده هذا من وحي بصيرته النافذة من جراء عدم وجود قوة كافية لديه تمكنه من مقاومة المسلمين الغزاة، وصحب معه داخل القلعة أكبر عدد مستطاع من الناس، ولكنهم كانوا قلة نظراً لصغر مساحة الحصن، ثم "هاجم المسلمون المدينة دون أن يلقوا أية مقاومة لأنها لم تكن مسورة من جميع نواحيها، وقتلوا أكثر من ألف رجل من جماعتنا، وانطلقوا بما غنموه إلى دمشق، فلما سمع الملك هذه الأنباء اشتد غضبه، لأن المسلمين خربوا كل ما أقامه في صيدا، ولكن هل يجدي غضبه في إصلاح ما جرى؟. استغل بارونات البلد غضب الملك لصالحهم، إذ كان قد جمع عزمه من قبل على الذهاب لتحصين رابية واقعة على الطريق الواصل بين يافا وبيت المقدس، حيث كان يقوم على هذه الرابية حصن قديم في أيام المكابيين. لم نكن من رأي بارونات البلاد إعادة بناء هذه القلعة لأنها كانت على مسافة خمس فراسخ من البحر، وهذا هو السبب الذي من أجله لم يكن في الاستطاعة إرسال الذخائر إليها بحراً دون وقوعها في أيدي المسلمين الذين كانوا أقوى منا. فلما جاءت الأنباء إلى المعسكر بتخريب ضاحية صيدا تحدث بارونات هذه البلاد إلى الملك مبينين له أن إعادة تحصين صيدا التي ضربها المسلمون أجدى وأعظم قيمة من بنائه قلعة جديدة. فوافقهم الملك على رأيهم" (جوانفيل، القديس لويس: حياته وحملاته على مصر والشام، ترجمة الدكتور حسن حبشي، القاهرة 1968، ص242، 243). ويضيف جوانفيل قائلاً: " عندما عدنا إلى صيدا من بانياس، وجدنا الملك (الذي كان موجوداً في صيدا) قد أمر بأن تدفن في الحال جثث النصارى الذين قتلهم المسلمون، كما اشترك هو بنفسه في حمل الجثث العفنة دون أن يسد منخاريه كما يفعل الآخرون. كذلك أمر بجلب العمال من جميع النواحي، وأخذ بنفسه بتقوية المدينة بالأسوار العالية، والأبراج الضخمة حتى إذا بلغنا المعسكر وجدناه قد عاين بنفسه الأماكن التي نعسكر فيها" (نفس المصدر، ص254). وهكذا أتم الملك تحصين مدينة صيدا من كل نواحيها تقريباً في سنة 1254 م، وحصنها بالأسوار والأبراج وأقام لها الخنادق المنيعة من الداخل والخارج (المصدر نفسه، ص267)، واستغرقت هذه الأعمال الإنشائية في صيدا نحو ثمانية شهور حتى صيام 1254 م، وقبل الانتهاء منها قرر لويس التاسع العودة إلى فرنسا (Stevenson, p. 331).
أسبابها ونتائجها:
يعتبر جوليان الصيداوي آخر بارونات صيدا والشقيف من سلالة أيوستاش جارنييه الذي كان قد أقطعه بلدوين الأول ملك بيت المقدس صيدا في سنة 1110 م، فأبوه هو جيل ت1247 م ابن باليان الأول ت1239م وجده أرناط الصيداوي المشهور. وكان جوليان هذا صهراً لهيثوم الأول ملك أرمينيا إذ تزوج في سنة 1252 م / 650 ه من الأميرة أيوفيمي بنت ملك أرمينيا، بينما تزوج بوهمند السادس صاحب أنطاكية 1251 – 1275 م بنتاص ثانية لهذا الملك (Grousset, t. III, p. 595). ومن المعروف أنه ظهر على مسرح الأحداث في هذه الفترة قوة جديدة خطيرة تحالفت مع قوى الصليبيين ضد المسلمين، هي قوة المغول الذين أدت انتصاراتهم المتوالية تحت قيادة هولاكو ضد المسلمين وتقدمهم السريع في قلب العالم الإسلامي إلى قيام جبهة صليبية مغولية متحدة تضم المغول والأرمن والإفرنج تستهدف غاية مشتركة هي سحق القوى الإسلامية في مصر والشام.
غير أن بارونات عكا لم تكن لهم نفس آراء بوهمند السادس الذي ارتبط مع صهره ارتباطاً وثيقاً وانساق وراءه في الحملة المغولية بقيادة هولاكو خان ثم كيتبغا الذي تسلم القيادة المغولية في الشام بعد قفول هولاكو إلى إيران، فقد كان بارونات الجنوب مترددين بين محالفة المغول أو التزام موقف حيادي أو التزام الجانب الإسلامي، وفضل جوليان سيد صيدا والشقيف وحنا دي إيبلين أمير بيروت بالإضافة إلى أمير جبيل وفرسان الداوية وسكان عكا في نهاية الأمر محالفة المسلمين (جون لامونت، الحروب الصليبية والجهاد، مقال في "دراسات إسلامية" ترجمة الأستاذ أنيس فريحة وآخرين، بيروت 1960 ص136). ويرجع السبب الرئيسي في انحيازهم إلى جانب المسلمين إلى حادث كان له أبعد الأثر في تغيير نظرتهم نحو المغول واعتبارهم برابرة بالقياس إلى المسلمين المتحضرين (فؤاد عبد المعطي الصياد، المغول في التاريخ، ج1، بيروت 1970 ص299). وتفصيل ذلك أن جوليان الصيداوي الذي اتصف بسوء الخلق وسرعة الغضب والتهور الشديدن استغل فرصة القتال الدائر بين المغول والمسلمين لكسب مغانم عن طريق الإغارة من الشقيف على أراضي البقاع المشهورة بخصبها (رنسيمان، ج3 ص529 – الباز العريني، المغول، بيروت، 1967 ص250). ويذكر المؤوخون أنه عبر الليطاني مع فرقة من عسكره وأغار على الأراضي الخصبة في نواحي مرج عيون، وكانت تضم قرى إسلامية خاضعة للمغول، فغدر الإفرنج بأهالي هذه القرى، وكان من الطبيعي أن يثور كيتبغا لهذا الاعتداء على أراض تابعة له أو تخضع لنفوذه، ولم يغفر لجوليان تعديه عليه، فأرسل عدداً من عسكره بقيادة ابن أخته لرد المعتدين وإنزال العقاب بهم حتى لا يقدموا مرة ثانية على الإغارة على تلك المنطقة، ويلقنهم درساً لا ينسوه ليحترموا تقاليد المغول، فاضطر جوليان إلى طلب مساندة جيرانه الإفرنج، واستطاع أن يوقع بالقائد المغولي في كمين ويجهز عليه(Deschamps. P. 194 – Frederick, p. 97 -الباز العريني، المرجع السابق، ص250). وأثار هذا العدوان الإجرامي من جانب الإفرنج الذين كان كيتبغا يعتبرهم حتى هذه اللحظة حلفاء للمغول ثائرة كيتبغا وقواته، ونسي المغول في غضبهم التحالف القائم بينهم وبين الإفرنج، وأصبح لا هم لكيتبغا سوى الانتقام من صاحب صيدا، ودفعته شهوة الانتقام إلى مهاجمة هذه المدينة مركز العدوان، فحشد قوة كبيرة من خيالة المغول وسار على مقدمتها قاصداً صيدا ثم هاجمها بجحافله، ودافع جوليان عن باب صيدا الرئيسي "باب عكا" الملاصق لقلعة البر، حتى يتيح للأهالي الفرصة للتحصن بداخلها (Deschamps, p. 194,226). واضطر جوليان في النهاية إلى التحصن بدوره بداخل القلعة المذكورة بعد أن قتل من تحته فرسان، واتفق في هذه الآونة أن وصلت إلى ميناء صيدا سفينتان جنويتان قدمتا من صور يقودهما فرنسشينو جريمالدي فأسهمت في نقل فريق من الأهالي ممن لم تتسع القلعة البرية لإيوائهم إلى قلعة البحر التي لم يكن في استطاعة خيالة كيتبغا الوصول إليها، واقتحم المغول أسوار المدينة، وتدفقوا عليها، ودمروا الأسوار وسووها بالأرض، كما خربوا عمران المدينة، وذبحوا كل من وجدوه أمامهم، ثم إنهم نهبوا المدينة ولم ينسحبوا منها إلا بعد أن أضرموا النيران في مساكنها ودمروا أسوارها وحولوا المدينة التعسة إلى كومة خرائب وتلال أنقاض (Grousset, t. III, p. 596-رنسيمان، ج3 ص530 – Frederick, p. 97).
ومرت الموجة المغولية المدمرة وخلفت وراءها مدينة صيدا ركاماً، وعجز جوليان عن تعمير ما تخرب منها لقلة أمواله، فاضطر إلى بيع بارونيته لفرسان الداوية في سنة 1261 م (Grousset, t. III, p. 639, 645). وكان من نتائج وقعة المغول في صيدا أيضاً أن بارونات الإفرنج الحانقين على كيتبغا لم يستطيعوا أن يخفوا عداءهم وكراهيتهم للمغول، ووقفوا من المماليك في مصر موقفاً مؤيداً عندما عزم هؤلاء على خوض المعركة الفاصلة ضد المغول، ولم يترددوا في الإفصاح عن استعدادهم لبذل المساعدة والعون لهم، وإمداد المظفر قطز سلطان مصر بالأجناد، ويذكر مؤرخو العرب أن الإفرنج خرجوا إليه بتقادم، وأرادوا أن يسيروا معه نجدة، ولكن قطز أنف من ذلك حتى لا يكون الإفرنج قد بذلوا له فضلاً ينسيه بعد ذلك رسالته في تطهير الأراضي الإسلامية منهم وتحريرها من احتلالهم، ولم يسعه إلا أن يشكرهم على عرضهم له وأخلع على رؤسائهم، ثم استحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه ( المقريزي، السلوك، ج1 قسم2 ص430 – الباز العريني، المغول، ص259 – مختار العبادي، قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشام، بيروت، 1969،ص162). ويعتقد الأستاذ الدكتور مختار العبادي أن أحوال الصليبيين في الشام لم تكن تسمح لهم بتقديم أي عون سواء للمماليك أم للمغول، إذ كانت أحوال مسيحيي الشام جميعاً لا سيما في عكا قد بلغت وقتئذ أقصى درجات السوء منذ أن قام النزاع بين الجنوية والبنادقة في سنة 1256، وتطور بعد ذلك إلى حرب أهلية جذبت إليها جميع العناصر المسيحية، فانضم البيازنة وفيليب دي مونتفورت أمير صور إلى الجنوية، في حين انضم بوهمند السادس أمير أنطاكية إلى البنادقة. كذلك انضم جماعات الفرسان الاسبتارية إلى الجنوية بينما انضم الداوية والتيواتون ومنظمة القديس توماس أكون ولازارس إلى البنادقة. وعلى الرغم من التوصل في 9 أكتوبر سنة 1258 إلى وضع حد لهذا الصراع بمعاهدة أبرمت بين الطرفين إلا أن هذه الحرب تركت الجبهة الداخلية للصليبيين في غاية الإعياء والتمزق (مختار العبادي، المرجع السابق، ص162).
ومع ذلك فإن موقف بارونات عكا المؤيد للماليك كان من العوامل الرئيسية في تصديع الحلف المغولي الصليبي وانهياره، كما كان له أعظم الأثر في انتصار القوى الإسلامية في عين جالوت. ويتهم جروسيه بارونات عكا وصيدا بالغباء، فيعلق على تأييدهم للماليك بقوله: " كانت مصلحة المسيحية ترتكز على تضامن قوى الصليبيين ومغول إيران، وقد أدرك المماليك هذه الحقيقة، ولكن بارونية عكا لم تفهمها، إذ كان المغول في اعتبارهم هم العدو الأول لهم منذ أن نهبوا صيدا" (Grousset, t. III, p. 601). وفي موضع آخر يقول: "اشترك هيثوم ملك أرمينيا وصهره بوهمند السادس أمير أنطاكية مع جيش هولاكو في غزو بلاد سورية الإسلامية، ولو أن بارونات صيدا وعكا الأغبياء قلدوهما في ذلك بدلاً من تأييدهم للمماليك وانحيازهم لهم ضد المغول لكانت قوى المغول يقيناً قد اكتسحت أمامها النفوذ الإسلامي وأزالته من سواحل الشام" (ibid. p. 631). وينْعت ديشام تصرّف جوليان بالجنون ويرمي الإفرنج في جنوبي الشام بعدم الفهم فيقول: "وهكذا كانت القطيعة بين كيتبغا والإفرنج في بلاد الشام الجنوبية الذين لم يدركوا الدعم الهائل الذي يمكن أن يترتب على التحالف المغولي الصليبي ضد القوى الإسلامية في حين أدركه صاحب أنطاكية وملك أرمينيا. ضد القوى الإسلامية في حين أدركه صاحب أنطاكية وملك أرمينيا. وتسبب هذا الجنون من جانب جوليان في إحداث نتائج خطيرة، فإن بارونات الإفرنج الساخطين على كيتبغا حققوا آمال المماليك في القضاء على الاحتلال المغولي" (Deschamps,p. 195).
تعرضت صيدا في العصرين الأيوبي ثم الصليبي الثاني لاضطرابات وهزات عنيفة مصدرها كثرة ما أصيب به عمرانها من تخريب وتدمير بسبب الغارات التي كان يشنها الصليبيون عليها في العصر الأيوبي أو المسلمون في عهدها الصليبي الثاني أو المغول في الفترة الأخيرة من هذا العهد. صحيح أن مدينة صيدا كانت قاعدة بحرية هامة يمكن الإفادة منها في تصريف منتجات البلاد في الخارج (كانت صيدا مرسى هاماً في عهد تبعيتها للصليبيين، ففي منتصف يوليو سنة 1171 م نزل الملك أملريك في مينائها بعد اتفاقه مع البيزنطيين في عهد الإمبراطور مانويل كومينين “Grousset, t. II, p. 579” وفي أول أكتوبر سنة 1176 نزل بها المركيز وليم دي منتفرات ذو السيف الطويل الذي تزوج سيبلا أخت بلدوين الرابع “ibid. p. 634”). ولكن حالة الاضطراب السياسي، الناتج من تناوب الحكم الإسلامي والصليبي فيها، بالإضافة إلى تدمير نواحيها المزروعة وتخريب عمرانها، كل ذلك ساعد على الإخلال باقتصاد هذه المدينة العريقة كما أدى إلى تقلص عمرانها وانكماش رقعتها، الأمر الذي أدى إلى نزولها من عداد المدن الكبرى إلى مصاف المدن الساحلية الصغرى. وعلى الرغم من اضطراب الأحوال السياسية وما ترتب على ذلك من اضمحلال المدينة اقتصادياً وعمرانياً، فإن صيدا ظلت تحتفظ في هذا العهد الصليبي بشهرتها في زراعة قصب السكر، وكانت لذلك بطبيعة الحال من بين المدن الرئيسية في إنتاج السكر (نقولا زيادة، مدن عربية، بيروت 1947، ص165) كما احتفظت بقسط من شهرتها القديمة في صناعة الزجاج والخزف ( فيليب حتي، لبنان في التاريخ، ص414، 415).
وكانت صيدا في هذا العصر تحف بسهلها المروج التي تكسوها الأزهار والنرجس، وقد وصف ابن الساعاتي الشاعر هذه المروج في وقت فر فيه أحد أسرى الصليبيين من صيدا، فلحقته خيل الوالي الأيوبي وأدركته، يقول ابن الساعاتي:
لله صيداء من بـلاد لم تبق عندي همـاً دفينا
نرجسها حلية الفيافي قد طبق السهل والحزونا
وكيف ينجو بها هزيم وأرضها تنبت العيونـا
(ديوان ابن الساعاتي"بهاء الدين أبو الحسن علي بن رستم الخراساني"، تحقيق أنيس المقدسي، بيروت، 1938، الجزء الأول)
ومن حيث البناء نلاحظ أن اضطراب الأحوال السياسية وتناوب السيطرة الإسلامية والصليبية عليها، كانت من العوامل التي دعت إلى توجيه المزيد من الاهتمام بالمنشآت الحربية، ولكن معظم المنشآت الأيوبية والصليبية اندثرت وتخربت إما بفعل الزلازل العنيفة التي دمرت بنيان المدن الساحلية خاصة في عامي 552 ه / 1157 م ، 598 ه / 1202 م (يوسف، مزهر، ج1 ص242)، أو بهدف عرقلة الصليبيين ومنعهم من الاستيلاء عليها، أو نتيجة أعمال انتقامية. على أن ما تبقى من هذه المنشآت في يومنا هذا، ومعظمه من العمائر الحربية – يشير إلى طبيعة الصراع العنيف الذي احتدمت ناره منذ أن وطئت أقدام الصليبيين في أراضي صيدا. وليس من الصواب نسبة كل هذه الآثار الحربية في صيدا إلى الصليبيين، كما هو سائد في الوقت الحاضر، فإن أسوار المدينة وقلعتيها دمرت ثم أعيد بناؤها عدة مرات عبر التاريخ الوسيط، لاسيما ما يتعلق بالأسوار وببعض أجزاء من قلعة البحر، أما قلعة البر فهي بناء صليبي واضح المعالم، لاسيما البرج الضخم الذي يتوج التل، وينبت منه السوران الرئيسيان المؤديان إلى البحر. ويشير جلبرت دي لا نوي أن السور الذي كان يحمي صيدا من الشرق كان يتقدمه سور أماي وخندق يتجه شرقاً، وينتهي السور ببرج ضخم مستدير يقع على ساحل البحر شمالي الجسر الذي يربط قلعة البحر بالبر (Rey, Les colonies franques de Syrie aux XIIe et XIIIe siecles, Paris, 1883, p. 520).
وفيما يلي دراسة موجزة لأثرين رئيسيين من العهد الصليبي هما قلعتا البر والبحر بالإضافة إلى تعريف بالكنيسة الصليبية التي يشغلها اليوم جامع صيدا الكبير. أما فيما يختص بالقلعتين، فمن المعروف أن الصليبيين اهتموا اهتماماً خاصاً بالتحصينات الساحلية لتأمين العمليات البحرية، وأنهم استخدموا فيها مخلفات الأسوار والقلاع الفينيقية والرومانية والإسلامية، بل إن بعض التحصينات التي أقامها الصليبيون في صيدا كانت ترميماً للقلاع والحصون القديمة التي كانت تتميز بمواقعها الاستراتيجية الهامة، وهو أمر سبق أن أشرنا إليه من قبل عندما تعرضنا لوصف ناصر خسرو لقلعة صيدا في العصر الفاطمي. ونلاحظ أن الصليبيين تأثروا في بنائهم لقلعتي صيدا، لاسيما قلعة البحر، بالصورة المتأصلة للعمارة الشرقية البيزنطية والإسلامية (عبد الرحمن زكي، القلاع في الحروب الصليبي، ص 50)، فاستخدموا أبدان أعمدة قديمة من المعتقد أنها استحضرت من معبد فينيقي قديم كان مخصصاً لملقارت (Bruce Conde, See Lebanon, Beirut, 1960, p. 237) ثم غرسوها في عرض بناء الجدران وأدمجوها بين صفوف البناء بحيث لا يظهر من الخارج سوى رؤوسها، بهدف اتخاذها مساند لتدعيم هذه الجدران وهي فكرة معمارية كانت شائعة في العمارة الإسلامية (Robin Fedden, & John Thomson, Crusader Castles, London, 1957, p. 50)، ولها أمثلة سابقة في بوابات القاهرة من العصر الفاطمي، وفي قلعة قايتباي بالإسكندرية من العصر المملوكي الثاني وفي قلاع المماليك بطرابلس الشام (السيد عبد العزيز سالم، طرابلس الشام، ص445)، كما اتخذوا نظام الشرفات الحجرية البارزة على واجهات القلاع والبوابات تمكيناً للدفاع عن المداخل والبوابات وهي أكثر أجزاء القلاع تعرضاً للهجوم. ومن المعروف أن الشرفات البارزة كانت من الموضوعات الشائعة في العمارة البيزنطية، واقتبسها العرب في تحصيناتهم وبأعلى بوابات أسوارهم، فظهرت في بوابات القاهرة من العصر الفاطمي، كما ظهرت في قلعة الجبل التي أسسها صلاح الدين بن أيوب في القاهرة، وفي قلعة قايتباي بالإسكندرية. ويشير جوانفيل إلى أن مهندس لويس التاسع أقام أمام الأسوار الرئيسية لصيدا أسواراً أمامية، وهو نظام كان شائعاً أيضاً في العمارة الحربية عند البيزنطيين، ثم طبقه العرب في تحصيناتهم وساد استخدام الأسوار الأمامية في أسوار المغرب والأندلس بوجه خاص(السيد عبد العزيز سالم، المساجد والقصور في الأندلس، القاهرة 1958، ص134)، وعرفت هذه الأسوار الأمامية في الأندلس بالحزام البراني أحياناً وبالبربخانة أحياناً أخرى. وكان يفصل الأسوار الرئيسية عن الأمامية دروب أو فصلان يستخدمها المدافعون كخط دفاعي أمامي، كما كان يتقدم الأسوار الأمامية خندق يدور بها ويساعد على عرقلة تقدم العدو نحو سور المدينة الرئيسي.
قلعـة البـحر:
أسسها جماعة من الصليبيين الفرنجة والإنجليز والإسبان، على صخرة ناتئة كبيرة منعزلة في البحر أشبه بجزيرة صغيرة، تبعد عن الساحل بنحو ثمانين متراً، وقد استغرق بناؤها ما يقرب من أربعة أشهر أي في الفترة ما بين 11 نوفمبر سنة 1227، و2 مارس سنة 1228 م (Deschamps, p. 17). وأول من قام بدراسة هذه القلعة الصليبية المؤرخ والعالم الأثري ري (Rey) إذ وضع لها تخطيطاً هاماً في سنة 1871 م، ثم تبعه في هذا العمل الكبير الأستاذ بيير كوبل، وأخيراً قام الأستاذ ديشام (Deshamps) بدراستها دراسة علمية منظمة معتمداً على البحث الذي قدمه ري اعتماداً كلياً. وتتكون قلعة البحر أساسياً من برجين: الأول برج ضخم (أ) يقع في الجهة الغربية أو الركن الغربي من القلعة، وهو برج إسلامي واضح المعالم أعتقد أنه من العصر المملوكي يتميز بأن واجهته الجنوبية المطلة على مدينة صيدا مدورة، ويتصل به من الجهة الشمالية برج آخر مربع الشكل (ج) فتحت في جداره الشمالي المطل على البحر منافذ للسهام مخروطية الشكل. والثاني برج متوسط الحجم (ب) كان يصل بينه وبين البرج الرئيسي (أ) سور لم يتوصل ري إلى العثور على آثاره.
وكان يصل بين القلعة والساحل جسر قائم على ركائز ضخمة يبدأ من مدخل القلعة وينتهي على مسافة قدرها نحو 35 متراً عند الركيزة (د) لم يتبق من ركائزه الأصلية سوى الركيزة الأولى (ه) التي ينتهي عندها الجسر. ونستنتج من ذلك أن الإفرنج لم يمدوا جسرهم حتى البر وإنما مدوه حتى الركيزة (د)، وكانت الركائز الأصلية كما تبدو ممثلة في الركيزة الباقية من العصر الصليبي (ه) مزودة برؤوس بارزة مدببة من الجهة الشرقية. ويعتقد ري أن القسم الممتد من الركيزة (د) حتى البر ويبلغ طوله 42 متراً تقريباً حديث البناء وأنه كان في الأصل مجرد قنطرة من الخشب من السهل على حامية القلعة تدميرها في أوقات الخطر، حتى لا يتمكن المهاجمون من الوصول إلى أسوار القلعة. ومن المعروف أن الأمير علم الدين سنجر الشجاعي عندما أراد الاستيلاء على القلعة في سنة 690 ه، أقام جسراً من البر يصل بين الساحل ومدخل القلعة التي كانت منعزلة وقتئذ عن الساحل.
ويعتقد الأستاذ ديشام أن القسم الأدنى من البرج الرئيسي (أ) صليبي الإنشاء، وأن القسم الأعلى منه إسلامي(Deschamps, pp. 229 - 231). وأعتقد شخصياً أن هذا البرج إسلامي البناء كله، وأنه أقيم في العصر المملوكي الأول المعروف بعصر دولة المماليك البحرية، وأن بناءه أضيف إلى القلعة بدليل أن الجدار الشمالي لهذا البرج يتعامد ويقطع بائكة قديمة ويبتر عقدها الجنوبي بتراً تاماً مما يدل على أنه مستحدث، وسنعود إلى دراسته عندما نتعرض لدراسة الآثار الباقية من العصر المملوكي. أما البرج المتوسط الحجم (ب) فصليبي الطابع وهو برج مستطيل الشكل طوله 21 متراً وعرضه 17 متراً، صفّت على واجهته الخارجية أربعة صفوف من أبدان أعمدة جرانيتية أدمجت في سمك البناء، وقد أشرنا من قبل إلى هذه الظاهرة وذكرنا أنها من الخصائص البارزة في العمارة الحربية الإسلامية وشاعت في المنشآت الحربية التي أقامها بناة مسلمون في عصر الحروب الصليبية، واقتبسها الصليبيون في كثير من منشآتهم الحربية في عسقلان وقيسارية وصور وجبلة وجبيل واللاذقية. ويتقدم البرج (ب) شمالاً بناءٌ (ز) يمكن الدخول إليه عن طريق خوخة لها ممر مزود بمشط. ويتقدم البناء (ز) بناء آخر (ح)، وقد عثر الأستاذ كوبل بمحاذاة الواجهة الشمالية كلها للجزيرة ما بين البرج (ج) والبناء (ح) على آثار قاعة (ط) يبلغ طولها نحو خمسين متراً، وكانت تنقسم فيما يظهر إلى ست أساطين، وكان يدعم جدارها الذي يغلق الجانب الجنوبي منها 5 أكتاف أو دعائم قائمة على قاعدة ارتفاعها 1.20 متراً. وعثر في هذا المكان على مسند (كابولي) يزدان بصورة نصفية لشخص. كذلك نشر الأستاذ كميل أنلار في سنة 1926 صوراً منقولة لمسند وتيجان أعمدة تزدان بتوريقات عثر عليها في خرائب قلعة البحر، والمسند المذكور محفوظ اليوم بمتحف بيروت، وهو عمل فرنسي الطابع يرجع تاريخه إلى عهد الملك لويس التاسع، وودود هذا المسند في قلعة البحر دليل على أن القاعة المذكورة أضيفت إلى القلعة في فترة الأعمال الإنشائية التي قام بها لويس التاسع أثناء إقامته بصيدا (ibid. P. 232).
قلعـة الـبر:
تعرف هذه القلعة أيضاً بقلعة لويس التاسع أو القديس لويس (ibid. p. 227)، وقلعة صيدا الفوقا وقلعة المعزة (أحمد عارف الزين، تاريخ صيداء، 1331 ه ص103)، بناها لويس التاسع أثناء فترة إقامته بعكا وصيدا فيما بين 13 مايو سنة 1250 إلى 24 أبريل سنة 1254. ولا تحتفظ هذه القلعة اليوم بعناصرها الصليبية القديمة بسبب تدمير القسم الأعظم منها وما سببته الترميمات العديدة وأعمال الإصلاح والتجديد التي طرأت عليها منذ أن قام الأمير علم الدين سنجر الشجاعي بتدميرها هي والقلعة البحرية في سنة 1291 م (الدويهي، ص151). زد على ذلك أن القلعة البرية بنيت بناء سريعاً بطريقة غير متقنة على الإطلاق، واستخدمت في بنائها قطع من الحجارة الصغيرة غير المنتظمة، مما ساعد على سرعة تخربها. وينسب الأستاذ ديشام أعمال الترميم فيها إلى الأمير فخر الدين المعني الثاني في القرن 17 م، وبينما يعتقد كل من ري وكوبل أن أسس البناء من بقايا القلعة الصليبية، فإن الأستاذ ديشام يعتقد بدوره أن القلعة أقيمت في موضع جبانة صيدون القديمة.
وتخطيط سور القلعة البرية يتخذ شكل قوس نصف دائري يطل قطره إلى جهة المدينة في حين يتجه وجه القوس الدائري نحو الجنوب. وتبرز الواجهة المدورة للبرج الأعظم الذي يؤلف القلعة نفسها في وسط القوس الدائري لسياجها، والبرج المذكور بناء ضخم يبلغ طوله 17 متراً، وعرضه 14 متراً، وسمك جدرانه 1.50 متراً، ويتجاوز في بروزه الواجهة بنحو مترين من بناء أصم لا تتخلله منافذ للسهام أو أي نوع من الفتحات، ويحمي الجدارين الشمالي والشرقي أربع منافذ للسهام. وتتداخل في بناء القلعة الكثير من العناصر المعمارية الإسلامية (Deschamps, p. 229) .
جامع صيدا الكبير:
أذن بارونات صيدا في سنة 1260 لمنظمة فرسان القديس حنا الاسبتارية ببيت المقدس أن يقيموا بيتاً للاسبتارية على الصخور المطلة على الجانب الغربي من ساحل صيدا، وكان بيت الاسبتارية المذكور في حد ذاته أشبه بقلعة حربية لها كنيستها الخاصة(Bruce Conde, p. 239). والجامع الإسلامي بصيدا يشغل قسماً من الكنيسة المستطيلة التي بناها الاسبتارية في القرن الثالث عشر الميلادي (فيليب حتي، لبنان في التاريخ، ص382)، ويدعم جدران الجامع من الخارج ركائز ضخمة هي نفس الركائز القديمة للكنيسة الاسبتارية، وقد طغى البحر على هذا البناء في سنة 1820، ثم أعيد بناؤه بعد ذلك (عارف الزين، تاريخ صيداء، ص108).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق